متابعة أخطاء وتناقضات “الأفكار الشائعة” رياضة ممتعة بالنسبة لي.
لنأخذ مثلا لا حصرا أشهر عبارتين شائعتين عن الإرهاب:
الأولى هي: “الإرهاب صناعة استخباراتية غربية”.
والثانية: “الإرهاب رد فعل لممارسات الغرب في العالم الإسلامي”.
ورغم أن العبارتين متناقضتين لا يمكن أن تكونا صحيحتين معا؛ الا أن من يردد العبارة الأولى هم نفس من يرددون العبارة الثانية.
فإذا كانت القاعدة وداعش مجرد صناعة استخباراتية غربية، فلا يمكن ان تكون في نفس الوقت رد فعل غاضب للممارسات الإرهابية والاستعمارية للغرب. فهي إما أن تكون هذا او ذاك!
نفس هذه الفئة لديها قناعة أن الإرهاب صناعة الأنظمة الاستبدادية العربية. دون ان تمل في نفس الوقت من تكرار ان الإرهاب رد فعل لاستبداد الأنظمة العربية التي لم تدع أمام الشعوب مجالا إلا التحول للإرهاب!
مرة أخرى لا يمكن الجمع بين فكرتين متناقضتين ترى ان الإرهابيين عملاء للاستبداد ومقاومين للاستبداد في الوقت نفسه!
لنتوغل أكثر في تناقضات التفكير العربي الشائع حول الإرهاب.
بالنسبة لنظرية “الإرهاب صناعة استخباراتية” يتعدد الأب الاستخباراتي للإرهاب: فهو تارة ايران، وتارة امريكا، وتارة السعودية او اسرائيل او روسيا..
كيف يمكن ان تكون هذه الانظمة المختلفة والمتصارعة مسؤولة عن نفس الظاهرة؟
هذا ما لا يفكر فيه عبقريو نظرية المؤامرة!
اما الإرهابيون فهم أحيانا: عملاء استخباريون دربتهم أمريكا وإيران والسعودية وإسرائيل (هكذا مرة واحده) لقتلنا!
وفي نفس الوقت هم شباب ابرياء جرفتهم الغيرة على الدين والغيرة على الأوطان المستباحة الى سلوك طريق الإرهاب!
لاحظوا ان من يؤمن أن الإرهابيين عملاء استخبارات مدربين؛ يؤمن في نفس الوقت انهم شباب ابرياء جرفهم الحماس والاضطهاد للإرهاب.
أبسط مباديء التفكير العلمي تقول اننا لا يمكن ان نجمع بين الفكرة ونقيضها. أما الفكر الخرافي فيعتبر الجمع بين المتناقضات عبقرية وإبداعا.